هل حقا جاء الله تعالى في جسم بشر؟
طبعاً، هذا هو أهم سؤال من الممكن أن يوجه لنا كمؤمنين بالمسيح،. فجوهر عبادتنا للمسيح مبني على حقيقة أن الله قد تجسد، أي أتى في جسم بشري. وأنت، أيها السائل ترفض إيماننا بهذه الحقيقة
وقبل أن نبدأ إجابتنا على هذا السؤال يجب علينا أولاً أن نجهز. الأرض المنبسطة لها بالواجهة الصريحة مع النفس بكل حيثياتها، بدلا من ا ن نهرب منها. لأنه لحساب من يكون رفضي كسامع أو كقارئ لمثل هذا الموضوع الجوهري؟ بكل تأكيد سيكون لحساب جهلي، فهل تعصبي لما اعتد ته من سمع وقراءة، واستقاء لتعاليم موروثة، ومحاولة منى للحفاظ عليها اكثر من حفاظي على أي شئ آخر، دون بحث وتأمل و في روح الابتهال والدعاء لله تعالى، بخشوع العابد وتواضعه لأمور الحكيم العليم الذي تتعالى وتتسامى حكمته فوق كل حكمة وفلسفة
فلنفتح عيوننا على أمر ظهور الله سبحانه وتعالى في جسم بشر، الذي أعلنه لنا وحي كلمته الشريف، ليس اليوم فقط كأمر جديد علينا، لأنه لم يظهر لنا فجأة، بل منذ زمن بعيد، وان كان هذا الأمر يبدوا غريبا اليوم على البعض، إلا أن هذه الغرابة ترجع بالأكثر، إلى ما تعودنا عليه، لا إلى ما درسناه.. ولنؤكد هذه الحقيقة، علينا أن نرجع إلى دستور حياتنا وأساس تحرك أفكار كل باحث أو محك في هذا المضمار، نرجع إلى وحي الله عز وجل في التوراة - باعتبارها أول ما انزل من وحي، وفي أذهاننا هذا السؤال، هل تخبرنا الكتب المقدسة عن ظهور الله للإنسان؟
فلنقرأ، ولنتدبر جيداً ما نقرأ من سفر التكوين الآتي : -
أولا : ظهور الله تعالى لآدم:
"وسمعا (آدم وحواء) - صوت الرب الإله ماشيا في الجنة." -(تكوين 3 :
- ترى كيف سمع كل منهما صوت الرب الإله ماشيا أن لم يكن لسير الله تعالى صوتا مسموعا؟
"فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة." – (تكوين3:
- ترى في أي اتجاه اختبأ آدم وامرأته؟ بعد أن سمعا صوت الرب الإله ماشيا، ألم يلمحا اتجاه ذلك السير الذي جعلهما يتجها في الاتجاه المضاد للاختباء منه ظنا منهما أنهما يستطيعا الاختباء؟
ثانيا : ظهور الله تعالى لإبراهيم:
. ظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه. فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض وقال : يا سيد أن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك...." - (تكوين 18 : 1، 2)
.. كيف يكون ظهور الله عز وجل في جسم ثلاثة رجال، مع أن حديث إبراهيم كان موجها إليهم في صيغة المفرد؟ يتضح لنا أن هؤلاء الثلاثة هم الله عز وجل وملاكان ونستدل على ذلك من بقية القصة، عندما نعلم أن الملاكان ذهبا إلى سدوم وعمورة وليس الثلاثة، فقد جاء في الآية الأولى من الفصل التاسع عشر من سفر التكوين : "فجاء الملاكان إلى سدوم مساء ……" وقد ذكر وحي الله تعالى كلمة الملاكان هنا معرفة بالألف واللام إشارة إلى أن هذان الملاكان هما نفسهما اللذان قد سبقا وتحدثا مع إبراهيم في الفصل السابق. وقد ذكرهما الوحي الشريف أيضا في (تكوين 18 : 22)، فقال : "وانصرف الرجال من هناك وذهبوا نحو سدوم.. بينما كان إبراهيم لا يزال مع ثالثهما، لم يعبأ أو يهتم بأمر ذهابهما بقدر اهتمامه بالوجود مع الشخص الثالث. لقد عرف إبراهيم ذلك الشخص جيدا. ونستطيع نحن كذلك أن نعرفه إذا قرأنا الحديث الذي دار بينهما الوارد ذكره في الفصل الثامن عشر من سفر التكوين والآيات من 23 – 33 "فتقدم إبراهيم وقال : أفتهلك البار مع الأثيم؟ …أفتهلك المكان ولا تصفح ……. حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر أن تميت البار مع الأثيم … حاشا لك أديان كل الأرض …. فأجاب إبراهيم وقال : أنى قد شرعت أكلم المولى وأنا تراب ورماد … فقال : لا يسخط المولى فأتكلم هذه المرة فقط.. وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم ورجع إبراهيم إلى مكانه." أن إبراهيم خليل الله كان يتشفع عن أهل سدوم وعمورة أمام الله تعالى، لأنه
من ذا الذي يستطيع أن يهلك البار أو الأثيم أو المكان؟
ومن هو ذاك الذي يرجو من إبراهيم الصفح والعفو والغفران؟
من هو الذي يستطيع أن يميت ويحيى؟ من هو المولى، ديان كل الأرض؟
. واضح جدا التباين في صيغة الحوار بين المخلوق الذي هو تراب ورماد وبين الخالق المولى، ديان كل الأرض
من هو سوى الله جل جلاله الذي جاء في جسم بشر؟
ثالثا : ظهور الله تعالى ليعقوب:
. "فبقى يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى انه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه. فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال : "اطلقني " فقال : " لا أطلقك أن لم تباركني "فقال : "اسمك؟" فقال "يعقوب ". فقال : "لا يدعى اسمك يعقوب في ما بعد بل إسرائيل. لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت......" (تكوين 32 : 24 - 28)
من هو الذي يترجى يعقوب منه البركة؟
من هو الذي يملك تغيير اسم يعقوب شكلا وموضوعا؟
من هو الذي يتجرأ أو يقول ليعقوب : " جاهدت مع الله والناس؟"
. ويذكر لنا وحي الله تعالى تعليق يعقوب نفسه على هذه القصة فيقول : " دعي يعقوب اسم المكان – الذي ظهر له فيه الله – فنيئيل قائلا : " لأني نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسي " (تكوين 32: 3.)
رابعا : ظهور الله تعالى لموسى:
إذا كنا رأينا كيف جاء الله تعالى في جسم بشر وكلم كل من آدم، وإبراهيم ويعقوب، وان كنا قد اعتدنا على ذلك، سوف نرى هنا تجليا جديدا للمولى عز وجل، ففي التوراة، قال تعالى : " ظهر ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقه فنظر وإذا العليقه تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق. فقال موسى : أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العليقة؟ فلما رأى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليق…." (خروج 3) والذي في وسط العليقة قال : " أنا اله أبيك اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب." فقال الرب أني رأيت مذلة شعبي …" كما يسجل القرآن هذه القصة في كل من(سورة النمل 27 : 7 - 12)، (وسورة القصص 28 : 29 - 35) " إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا، سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون، فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين، يا موسى انه أنا الله العزيز الحكيم والق عصاك. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب. يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدى المرسلون إلا من ظلم بدل حسنا بعد سوء فأني غفور رحيم. وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه انهم كانوا قوما فاسقين "وأيضاً من سورة القصص: "فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا، قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منه بخبر أو جذوة من النار لعلك تصطلون، فما آتاهم ودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى أني أنا الله رب العالمين وان الق عصاك. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا."
من هو ذلك الشخص الذي ظهر لموسى؟ ألم يكن هو الله تعالى؟ كذلك عندما أخرج الله تعالى شعب بنى إسرائيل من ارض مصر قال الوحي الشريف عنه تعالى : -
. "كان الرب يسير أمامهم نهار ا في عامود سحاب ليهديهم في الطريق وليلا في عامود نار ليضئ لهم."(خروج 13: 21)
. وعندما حاول عسكر المصريين أن يلحقا بشعب بنى إسرائيل الأذى "انتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار من وراءهم. وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم... الرب اشر ف على عسكر المصريين في عامود النار والسحاب وأزعج عسكر المصريين" (خروج 14 : 19 - 24)
. من هو يا ترى الذي له القدرة أيضا على أن يزعج عسكر المصريين بالطريقة التي كان بها يقود ويحمى شعب بنى إسرائيل سوى صاحب القدرة العليا والحكمة التي تتسامى فوق معرفة المخلوق الضعيف الذي لا حول له ولا قوة إلا الله؟ ذاك هو الذي جاء في جسم بشر، وظهر في العليقة المشتعلة، وفى عمود النار والسحاب
خامسا : ظهور الله تعالى للعالم كله:
. إذا كان في مقدور الله تعالى القادر على كل شئ أن يأتي من قبل في جسم بشر وبطرق أخرى كثيرة متنوعة، هل يستحيل عليه أن يأتي لنا في جسم يسوع عليه السلام؟ أن أنكرنا أن الله تعالى هو الذي جاء في جسم بشر يسوع عليه السلام فأننا بذلك ننسب له عدم القدرة على فعل كل شئ، ونشك في حكمته العليا التي تفعل ذلك الشيء. وفى نفس الوقت نكذب وحيه تعالى الشريف كما جاء في الميثاق الجديد أن : الله كلم آباءنا في قديم الزمان بواسطة الأنبياء وبطرق كثيرة ومتنوعة، ولكن في هذه الأيام الأخيرة كلمنا بواسطة ابنه الذي جعله مالكا لكل شئ، والذي بواسطته خلق الكون كله. فالابن - يسوع المسيح- هو ضياء جلال الله وصورة جوهره --- أي حقيقة كاملة لكيان الله نفسه - وضابط الكون كله بقوة كلمته (عبرانيين 1 : 1 - 3)
ولكن رب معترض يقول هنا : " أن عقلي لا يقبل فكرة أن يأتي الله في جسم بشر، لان هذا يبد و مفاجأة للمنطق ويطيح بالمعقولية في حياتي."
. وقبل الإجابة على هذا السؤال يلزمنا أن نجيب على سؤال آخر : لماذا يأتي الله في جسم بشر؟ هب انك ترى فلاح يحرث حقله، وأنت تلاحظ في طريق المحراث عش نمل، وهب أيضا انك تحب النمل جدا، فماذا تفعل؟ قد تفكر في أن تركض إليهم صارخا محذرا إياهم إلا انهم لن يتحركوا من أمام المحراث بل يستمرون في موقعهم أو عملهم، فتلجأ مثلا إلى لغة الإشارة أو إلى وسيلة أخرى تعرفها أنت، لكن النمل لا يتحرك أو ينتبه. لماذ1؟ لأنك عاجز عن الاتصال بهم، هم لا يفهمون لغتك، ولا إشاراتك وتحذيراتك مع أنها في مصلحتهم، وأنا لا تهدأ عن إنقاذهم لأنك تحبهم. فماذا تفعل؟ وما هي افضل طريقة لإنقاذهم؟ هي أمام تصير نملة مثلهم فيفهمون ما تقول. وهذا ما فعله الله تعالى معنا، فلما أراد الله عز وجل أن يتصل بنا، وجد أن افضل طريقة هي أن يصير إنسانا مثلنا، فيكون على اتصال مباشر بنا. فقد كلمنا من قبل بطرق كثيرة ومتنوعة كما هو مكتوب ليحذرنا من الهلاك المحقق الذي نسير إليه وتقتر ب منه أقدامنا دون أن نراه، ولكننا لم نفهم تحذيراته، ولم نعلق إشاراته لنا أي اهتمام، لذلك جاء أخيرا في جسم بشر، في جسم يسوع المسيح عليه السلام الذي اظهر كل صفاته لبنى البشر أديان أن يسوع المسيح له طبيعة الله، لكنه لم يفكر في أن يستغل مساواته لله لمنفعته هو، بل من نفسه، ترك كل ما له من امتيازات، واخذ طبيعة عبد، صار مثل البشر، وظهر في هيئة إنسان، وتواضع جدا، وأطاع في كل شعبي إلى الموت، لدرجة انه مات على الصليب، لذلك عظمه الله جدا، وانعم عليه بالاسم الذي هو اعظم من كل اسم، حتى تسجد كل الكائنات الآية في السماء والتي على الأرض، والتي في العالم السفلي، على ركبها، إكراما لاسم يسوع، ويشهد الجميع علنا قائلين أن يسوع هو الرب إجلالا لله الأب " (فبليبي 2 : 6 - 11)
الدليل على ذلك:
. لنعرف أولا معنى كلمة دليل فالدليل القاطع في لغة القانون هو الدليل الذي لا يقبل بديل هو ذلك الذي وحي من مصدر موثوق منه، وما اكبر ثقة كل باحث حاذق في وحي كلمة الله تعالى الآية لا تقبل الشك أو الجدال، ومن خلال قراءتنا لوحي كلمته الشريف من البداية إلى النهاية نعرف أن مجمل قول ما يذكره هو : أن شخصا عجيبا وفريدا أسمى من كل البشر سيأتي من السماء متسربلا بطبيعة البشر ليكون فاديا، ومنقذا لكل العالم، وهذا الشخص يكون من نسل إبراهيم بحسب الجسد وعلى وجه التحديد آل يهوذا، بيت داود النبي. يولد من عذراء، ويكون معصوما من الخطأ، وهو في الوقت نفسه يكون الله الواحد الأحد الذي لا اله إلا هو القدير السرمدي، الأزلي الأبدي، وإذ كان من الصعب أن نورد كل هذه النبوات، نكتفي الأرض إلى واحدة أو اكثر كل كتاب أوحى به الله تعالى، على سبيل المثال لا الحصر
من التوراة:
. وجاءت على فم أشعياء النبي : " ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل - (أش 7 : 14) "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيبا مشيرا، إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام...." (أش 9 : 6)
ومن المزامير (الزبور):
قال داود النبي : " قال الرب لربى اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئا لقدميك." (مزمور 11. : 1) فكيف يمكن لنا أن نجد لهذه الآية حلا دون إيماننا بالمخاطبة الأزلية بين الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس."
ومن سفر الأمثال:
. قال سيدنا سليمان : " من صعد إلى السماوات؟ ومن جمع الريح في حفنتيه؟ من صر المياه في ثوب؟ ومن ثبت جميع أطراف الأرض؟ ما اسمه وما اسم ابنه؟" (أمثال 3. : 2 - 4)
ومن الإنجيل الشريف:
قال سيدنا يسوع عن نفسه : " من قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " (يوحنا 8 : 58) وتعبير "أنا كائن " هو نفس التعبير الذي أطلقه الله على ذاته تعالى عندما سأله موسى قائلا : " ها أنا آتى إلى بنى إسرائيل وأقول لهم اله آبائكم أرسلني إليكم فإذا قالوا ما اسمه فماذا أقول لهم؟ فأجاب الله موسى قائلا : أهيه الذي أهيه." (خر 3 : 13، 14) ومعناها : " الكائن والذي يكون." وهذا هو نفس التعبير أيضا الذي جاء في وحي الله تعالى عن يسوع عليه السلام سفر الرؤيا " أنا الألف والياء … " هو القدير على كل شعبي الكائن الذي كان وسيأتي " (رؤيا 1 :
وهذا يتضح من قول آخر ليسوع لما كان في جسم بشر قال : - " والآن أيها الاب أعطني الجلال عند ذاتك بنفس الجلال الذي كان لي عندك قبل كون العالم. لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم." (يوحنا 17 : 5، 24). وهذا يؤكد لنا انه كان يتحدث عن ذاته الأزلية القائمة في اتحاد بالله تعالى قبل إنشاء العالم وتكوينه. وعلى هذا الأساس قال يسوع لشيوخ اليهود وعلما ء الدين : انتم من اسفل : أما أنا فمن فوق انتم من هذا العالم، أما أنا فلست من هذا العالم، (يوحنا 8 : 33) قال أيضا : "ليس أحد صعد إلى السماء (يوحنا 3 : 13). ونفهم من الآية الإجابة أن سيدنا يسوع المسيح لا يتحدث فقط عن مجيئه من السماء، بل وعن وجوده كذلك في السماء أثناء وجوده على الأرض. فمن يجرؤ أن يقول هذا إلا مالئ السماوات والأرض؟
. ومن ذكرنا لقليل من كثير لنبوات وحي الله الشريف، نفهم أن يسوع له كل الجلال جاء إلى هذا العالم ليس كرسول فقط أو مجرد نبي بل كإله في جسم بشر. " حقا أن هذا السر عظيم، جاء الله في جسم بشر، شهد الروح انه صالح، شاهدته الملائكة، نادى به اتباعه بين الشعوب، آمن به الناس في العالم، رفعه الله إليه بجلال." (1تيماثوس 3: 16)
ولكن ترى ماذا يسجل لنا القرآن؟
قصة مولد سيدنا يسوع المسيح (أو كما في القرآن " عيسى المسيح) في (سورة مريم 19 : 16 – 21) "واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا، فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا، قالت إني أعوذ بالرحمن منك أن كنت تقيا، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا، قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا، قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا." والزكي هو الطاهر المعصوم من الخطأ، وإذا كانت العصمة لله وحده فلماذا يا ترى قيل عن يسوع أنه معصوم من الخطأ إن لم يكن هو نفسه الله الذي جاء في جسم بشر؟
كذلك في سورة آل عمران 3 : 36 "وأنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " فقال الجلالان تفسيرا : " ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا، إلا مريم وابنها عيسى، " رواه الشيخان وفى سورة آل عمران 3 : 45 : قال " المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، قال البيضاوي تعليقا على هذه الآية : " وجيها في الدنيا بالنبوة وفى الآخرة بالشفاعة."
وقال الرازي : " الوجاهة في الدنيا هي النبوة أو استجابة دعائه وبراءته من العيوب، وفى الآخرة الشفاعة أو علو الدرجة والمنزلة وكثر ة ثوابه."
لم نسمع أحدا قال عن أي نبي أو رسول آخر انه معصوم من الخطأ، ولم يصرح أي نبي أو رسول بهذا التصريح عن نفسه. مهما كانت درجة نقاءه وصلاحه إلا يسوع وحده والذي برهن على شهادته وحي الله تعالى بذلك أيضا."
أما كل من سبقوه أو جاءوا من بعده كانت صرخة واحدة، هي صرخة المغفرة وطلب العفو عن الذنب، نذكر من هؤلاء على سبيل المثال : آدم الذي عصى أمر الله تعالى واكل من الشجرة الآية حرمها الله وأطاع بذلك الشيطان اكثر من قول الله تعالى كما هو واضح من الفصل الثالث من سفر التكوين في التوراة، وكما يسجله أيضا القرآن في(سورة الأعراف 7 : 23، 24) " قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكو نن من الخاسرين." وموسى الذي قال عنه القرآن في سورة القصص 28 : 15 "ربى أني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له." وأيوب الصابر قال : " أخطأت ماذا افعل لك يا رقيب الناس ولماذا لا تغفر ذنبي ولا تزيل إثمي؟ لأني الآن أضجع في التراب تطلبني فلا أكون." (أيوب 7 : 2.، 21) مع أن أيوب هذا الذي قال عنه الله تعالى "ليس مثله في كل الأرض، رجل مستقيم يتقى الله ويحيد عن الشر." (أيوب 1 :
. وداود النبي صرخ قائلا : " اللهم ارحمني لأنك رحيم امح ذنوبي لأنك عظيم الرأفة، اغسلي جيدا من ذنبي، وطهرني من خطيئتي. أنا عالم بمعاصي، وخطيئتي موجودة أمامي دائما … فأنا أثيم منذ اليوم الذي ولدت فيه وخاطئ منذ حبلت بي أمي." (مزمور 51) ويسجل هذه الحادثة القرآن ويقول : " وظن داود إنما فتنة فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفر له." (سورة ص 38 : 24، 41) مع أن داود قد شهد الله تعالى له وقال عنه " وجدت داود بن يسى رجلا بحسب قلبي الذي سيصنع كل مشيئتي." (أعمال الرسل 13: 22) ومحمد نبي الإسلام : الذي جاء عنه في (سورة محمد 47 : 19) فاعلم انه لا اله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم." (وفى سورة الفتح 48 : 2) قيل عنه أيضا : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما." وفى (سورة يونس 1.: 94) "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين."
. أن كل من طلب الغفران من أولئك، لم يطلبه إلا لشعوره بالذنب الذي اقترفه، وعرف حقيقة نفسه وكونه مذنبا يحتاج إلى العفو والمغفرة، أما يسوع فقد شهد أولا عن نفسه وقال لعلماء الدين والشيوخ والفقهاء : "من منكم يبكتني على خطيئة " (يوحنا 8 : 46) ولم يجاوبه أحد، ولو كان مذنبا فعلا كالسابق ذكرهم لما استطاع أن يوجه مثل هذا السؤال أن الإنجيل الشريف يخبرنا بأن الشيطان قد جرب المسيح لكنه لا يقول انه أخطأ، ولم نسمعه يقر بالذنب أو يطلب غفرانا عن خطيئة أو معصية، مع انه علم حواريه طلب المغفرة في كل دعاء وابتهال. من الواضح أنه لم يكن لديه أي شعوره بالذنب أديان كان فريدا في ولادته، معصوما من الخطأ، فريدا في قدرته المعجزية فريدا في تعاليمه، فريدا في سلطانه حتى على الموت